إستمتع بهوايتك دون وصي بقلم المحكم الدولي سعيد الشامسي
استمتع بهوايتك دون وصي
مكان الفن في الفكر وفي المجتمع الإنساني
وصلت الخصومة حول استقلال الفن أو عدم استقلاله إلى أقصى حدتها في العصر الرومانطيقي، حين نودي بشعار ” الفن للفن ” ثم نودي، كنقيض موضوع ظاهري لذلك، بشعار ” الفن للحياة “. وبعد ذلك الحين أصبحت هذه القاعدة تناقش في الحقيقة بين الأدباء و الفنانين أكثر مما تناقش بين الفلاسفة، و قد فقدت هذه الخصومة كثيراً من شأنها في أيامنا هذه، وَهَوت من منزلتها، حتى صارت مسألة يتسلى بها المبتدئون و يكتب فيها التلاميذ، أو أصبحت موضعاً لخطب أكاديمية. على أننا نجد آثاراً لها حتى قبل العهد الرومانطيقي، وفي أقدم مخلّفات التفكير الإنساني في الفن. بل إن فلاسفة الفن أنفسهم إن أهملوها ظاهراً ( ولا شك أنهم يزدرونها في هذه الصورة العامية ) فإنهم يعنون بها في الواقع، بل يمكن القول إنهم لا يفكرون في شيء غيرها. ذلك أن البحث في استقلال الفن أو عدم استقلاله يرجع في حقيقته إلى البحث في هل الفن موجود أو غير موجود، و إذا كان موجوداً، فما هو؟ فأن نشاطاً يرتبط مبدأه بمبدأ نشاط آخر ليكون في جوهره هذا النشاط الآخر، و لا يكون له إلا وجود زعمي أو اصطلاحي. إن فناً يتعلق بالأخلاق أو اللذة أو المنفعة، لهو أخلاق أو لذة أو منفعة، و لن يكون فناً أبداً. أما إذا حكمنا له بالاسقلال لا بالاتصال، فقد وجب أن نبحث عن الأساس الذي يقوم عليه هذا الاستقلال، أي وجب أن نعرف بم يتميز الفن عن الاأخلاق و اللذة و الفلسفة و سائر ما عداه، و هذا يعود بنا إلى التساؤل: ما هو الفن، و إلى تحديد جوهره على أنه مستقل حقاً.
و يتفق أن يسلم بعضهم بأ الفن ذو طبيعة أصيلة خاصة، ثم يرون مع ذلك أنه خاضع لصورة أخرى أرفع و أكرم ( كما قيل في بعض الأزمان )، فهو عبد الأخلاق، أو خادم للسياسة، أو ترجمان للعلم.
كتاب : المُجْمِل في فلسفةُ الفن
المؤلف : ب. كروتشه
ترجمة و تقديم سامي الدروبي